حسن توران رئيس الجبهة التركمانية العراقية
منذ أسبوع
تعد مشكلة النزاعات الملكية المتعلقة بالأراضي أحد أعقد المشاكل في محافظة كركوك، وعند تشكيل كل الحكومات ما بعد 2003 وفي كل دورة نيابية يحصل حراك لحل هذه المشكلة المؤرقة والتي تتفاقم في كركوك عند كل موسم زراعة وحصاد مما يؤثر على السلم المجتمعي وإثارة المشاكل بين أبناء المحافظة الواحدة.
وأدّت سياسات النظام السابق المنضوية على تغيير الوضع السكاني في محافظة كركوك والقمع السياسي التي كان يتبعها هذا النظام إلى فقدان العديد من مالكي الأراضي لحقوقهم في أراضيهم مقابل تعويض متواضع أو بدون تعويض في أغلب الحالات. وقد طالت آثار ذلك ملاك الأراضي التركمان والكرد بيد أنها لم تقتصر عليهم. وفي عام 2006، قرر البرلمان العراقي إنشاء هيئة حل نزاعات الملكية العقارية لتكون خلفاً لهيئة دعاوى الملكية العراقية التي أنشأت بموجب قرار سلطة الإئتلاف المؤقت رقم (12) الصادر بتاريخ 27 حزيران/يونيو 2004.
وفي الحكومة الحالية ارسل مجلس الوزراء مشروع قانون لحل هذه المشكلة بناء على اتفاق تحالف إدارة الدولة عند تشكيل الحكومة والتي صادق عليها مجلس النواب، وعده برنامجاً حكومياً، ومجدداً أخفق مجلس النواب في الاتفاق على تشريع القانون.
في الحوارات التي رعتها بعثة الامم المتحدة في العراق (يونامي) بين مكونات المحافظة، بدءاً من سنة 2019، وبعلم من الحكومة العراقية كانت مشكلة الأراضي واحدة من الملفات التي تمت مناقشتها وتم التوصل إلى نقاط قد تكون أساساً لحل هذه المشكلة في المستقبل إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية، والتي من الأفضل عدم تركها بعد هذه المدة الطويلة والقضية أصلاً من ضمن قوانين العدالة الانتقالية والتي من المفترض ان تتجه الدورات النيابية المتلاحقة لحل هذه المشكلة وعدم تركها تتفاقم يوماً بعد أخر.
وقد صاحب محاولة تشريع القانون إثارة الموضوع مجدداً ووجدتُ الحاجة ملحة لتسليط الضوء على أبعاد هذه المشكلة في كركوك نظراً لمرور وقت طويل وعدم دقة الكثير من التصريحات المتعلقة بهذه القضية الحساسة لتكون اساساً ودافعاً للمشرع العراقي لسرعة إنجاز القانون والمساهمة في إزالة أحد بؤر التوتر في محافظة كركوك.
والهدف هو إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة وقرارات لجنة الشمال المنحلة الصادرة على أساس احتجاز ومصادرة الممتلكات لأسباب سياسية أو عرقية.
وإن كان هناك أمر تتفق عليه كافة المكونات، فهو أن مسائل الأراضي والملكية العالقة تضر بالمحافظة وسكّانها. فهذه المسألة تتعلق بالتنمية الاقتصادية والانتعاش الاقتصادي لمدينة كركوك والمناطق المحيطة بها – وهو أمر من المستبعد حدوثه في حال بقي عدد كبير من خلافات الأراضي والملكية دون حل- إضافة إلى كونها مسألة تتعلق بالسلم المجتمعي والاستقرار.
كما أن استمرار عجز الدولة العراقية عن حل هذه المشاكل من شأنه أن يقوّض الثقة واسعة النطاق في مقدرة الدولة والنظام السياسي الحالي على معالجة احتياجات السكان وفرض سيادة القانون فإن التأخر في تطبيق العدالة هو حرمان من العدالة، لا سيما ان المشرع العراقي قد الزم نفسه في الدستور العراقي بمعالجة وحل هذه المشكلة.
ولا بد من الإشارة إلى البعد التاريخي والديمغرافي والقانوني لهذه المشكلة إذا كانت هناك جدية لحل هذه المشكلة المعقدة فمن الناحية التاريخية فإن المشكلة بدأت من سبعينات القرن الماضي ولا علاقة لهذه المشكلة بالاراضي بالمشمولة بقانون الإصلاح الزراعي لأن الدستور حدد فترة زمنية محدودة من (1968 – 2003) للأراضي المشمولة بقضية النزاعات الملكية العقارية بينما قانون الإصلاح الزراعي شرع عام 1959.
ففي فترة ما بين عامي(1975 - 1998) صدرت سلسلة من قرارت مجلس قيادة الثورة متعلقة بمحافظة كركوك بحدودها الجغرافية حينئذ، ونصت على الاستيلاء على اراضي شاسعة تمتد لمئات الالاف من الدونمات تعود معظمها لأصحابها من التركمان والكرد، والمسيحيين والعرب (في منطقة الرجيبات)، وجرى الاستيلاء خلافاً لقانون الاستملاك النافذ وبثمن بخس ديناران ونصف للدونم أي كان سعر المتر المربع الواحد فلس واحد فقط، وتمت إزالة بعض القرى بالكامل وتم تسجيل الاراضي المصادرة بأسم وزارات (الدفاع – النفط – المالية – الإدارة المحلية) ورغم إدعاء النظام البائد بأن الدافع كان المصلحة العامة آلا إن الاراضي تركت ولم يستغل معظمها وعوضاً عن ذلك تم الاستيلاء على أرضي جديدة في التسعينات من القرن الماضي وهذه المرة عبر لجنة مسيسة كانت تسمى لجنة شؤون الشمال، وتم اختيار اراضي خصبة (كقرية بشير) وايضاً نفذت بنفس الطريقة أي جرى الاستيلاء خلافاً لقانون الاستملاك النافذ.
ونظراً لكون هذه الأرضي خصبة وذات انتاجية عالية تم توزيع كل هذه الاراضي الخصبة بموجب عقود زراعية على الفلاحين ومن القومية العربية حصراً.
بعد سقوط النظام البائد عام 2003 تم إصدار لوائح تنظيمية من سلطة الائتلاف المؤقتة لحل مشكلة النزاعات الملكية كما أشارت المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية، وثم صدر قانون هيئة حل النزعات الملكية العقارية رقم 2 لسنة 2006، من مجلس النواب العراقي، واعقبه قانون هيئة دعاوى الملكية رقم 13 لسنة 2010.
ولم تنجح بعض التدابير والمبادرات التي اتخذت حتى الآن لمعالجة ملف الأراضي والملكية في التوصل إلى حل دائم للمسائل التي ينبغي التصدي لها. وقد تسبب التنفيذ الجزئي والعمليات البطيئة للغاية في خلق مزيد من الإحباط في صفوف السكان وإلى توترات اجتماعية إضافية في بعض الحالات. فقد أدى اعتماد الإجراءات التي لا يمكن تنفيذها، بسبب نقص التمويل، إلى تقويض الثقة في قدرة مؤسسات الدولة العراقية على معالجة المشاكل التي يواجهها المواطنون في هذه المسألة وفي مجالات أخرى.
وتنص المادة (4) من قانون هيئة حل نزاعات الملكية العقارية على ما يلي: تسري احكام هذا القانون على الدعاوى الواقعة على العقارات المشمولة به خلال الفترة من 17 تموز/يوليو 1968 ولغاية 9 نيسان/أبريل 2003 وتشمل ما يلي: "اولاً- العقارات المصادرة والمحجوزة لاسباب سياسية او عرقية او على اساس الدين او المذهب او اي حالات اخرى تمت نتيجة لسياسات النظام السابق في التهجير العرقي والطائفي او القومي" و"ثانياً- العقارات المستولى عليها بدون بدل او المستملكة بغبن فاحش او خلافاً للاجراءات القانونية المتبعة للاستملاك."
على القوى السياسية التي تعرقل تشريع القانون الإجابة لتساؤلات يطرحها مؤيدو تشريع القانون منها:
هل عرقلة تشريع القانون المتعلق بحل هذه المشكلة يعتبر حلاً للمشكلة أم انه يوسع شقة الخلاف بين ابناء المحافظة؟
هل تأجيل المشكلة من (21) عاماً ساهم في حل المشكلة ام زاد من تفاقمها؟
وهل ترك الاراضي بدون استغلال في مصلحة العراق، ومصلحة ابناء المحافظة؟!
وهل يجوز ترك المظلوم والمتضرر من سياسات النظام البائد أن تستمر معاناته طيلة هذه السنوات وهو ينتظر حلاً لمشكلته؟
إن تخصيص أموال للمتضررين من معالجة المشكلة تعتبر أحد العوامل المهمة التي تساهم في خلق رؤية مشتركة بين مكونات المحافظة لتشريع القانون، وبالإمكان تخصيص دولار واحد من كل برميل منتج من حقول كركوك لمدة زمنية محددة يخصص ريعها للمتضررين ستساهم بالتأكيد في الإسراع بإنجاز التشريع والحلول المستدامة كفيلة بتجنيب المحافظة تداعيات لا يحمد عُقباها.
فوحدها الحلول ذات القبول واسع النطاق سيكون لها فرصة النجاح وعرقلة تشريع القانون لن يزيد المشكلة إلا تفاقماً، وآن الاوان أن نجد حلاً لمشكلة صار عمرها ما يقرب من خمسين عاماً.