عدالت عبدالله
د.عدالت عبدالله
منذ سنة

قلنا أكثر من مرة، ونحن نشهد يومياً وأمام أعيننا الدمار الذي يلحق بقطاع غزة، بأنه ربما سيأتي يوماً يُعاد فيه إعمار كل ما تُخربه الحروب وتهدمه، أما الأرواح البريئة والطاهرة، التي تضيع في هذه الحروب اللعينة فلن تُعوَّض حتماً بأي شيء.
 وقلنا إن هذا بحد ذاته يستحق مراجعة فعلية وضميرية منا لمنظومة أفكارنا وعادات مواقفنا، التي غالباً ما تُحَجّرُها الآيديولوجيات العمياء والشعارات البراقة وتجردها من كل ما يمكن أن توقظها ولو للحظات للإنفتاح بوجه مفهوم الإنسان بالمعنى الحداثي للكلمة وحقوق هذا الكائن في العيش وإبعاده عن الأجندات والصراعات العقيمة اللامتناهية.
   قلنا إن ثمة أوانٍ مفصلية ينبغي علينا إدراك فرادتها وتفهم خصوصيتها في سياق الزمن العادي، بل وأن نعي أن هناك أسئلة جوهرية في لحظاتٍ حرجة قد لا تسمح لنا بأن نفكر مليئاً وأن نختار أكثر من خيار، وأنما كل ما تُمليه علينا هو القرار والفصل، والأسئلة تلك ربما هي من قبيل: هل الوطن حقاً أولى لنا الآن وفي هذه اللحظة بالذات أم المواطن؟ ما هي يا تُرى قيمة الوطن الآن وفي هذا الزمكان الإستثنائي إذا ما خلى من أن يعيش عليه مواطنيه علاوةً على خسارتنا له هو أيضاً...؟ كيف لنا أن نُفَضل الوطن على المواطن بينما نفقه مسبقاً بأن الأول ليس إلا الحيز المادي الخادم والمحتضن للثاني وليس العكس؟
 الحرب، في كل الأحوال والأوقات، هي إمتداد حقيقي للسياسة، والسياسة لا تقتصر في إيجاد لغة أُحادية جوفاء للتعاطي مع عالم الأشياء والأحداث، وإنما لها أكثر من لغة بل أنماط تعامل متعددة وأساليب تعبير مختلفة يتقنها دون شك كل من يفهم ويتفنن في إختبارها أكثر من مرة تجنباً منه للوقوع في مأزق أحادية التفكير، المتمثلة دوماً في خيار المواجهة والحرب كما هي سائدة دوماً لدى العقليات الآيديولوجية المُفتقرة الى الدهاء والذكاء السياسي على حد قول الجابري.
   والسياسة بمفهوم أوسع هي إدارة مصالح البلاد والعباد والحفاظ أولاً على الأرواح والأنفس قبل الجماد والأمجاد...! أنها في الجوهر لعبة إحتواء الصراعات والنزاعات قبل اللجوء اليها عبثاً ومن دون أدنى فكرة عن مآلاتها وعواقبها الكارثية على البلاد والعباد معاً!
   كما علينا أن نتذكر جيداً أن السياسة هي في النهاية حقل الإشتغال على توسيع مساحة الحياة لا تدميرها، وبهذه المعاني كلها، ينبغي إعادة النظر حتى في مفهوم وقضية الدفاع عن الوطن إذا ما كان ممارسة هذا الحق هي على جماجم المواطن وحساب الإنسان من دون أن نضمن معها في النهاية الحفاظ على أي منهما.!